السبب الذي دفع الناس بعد الطوفان إلى بناء برج بابل هو نفس السبب الذي دفع قايين إلى بناء مدينته الأولى (تكوين 17:4). كانت خطة الله الأصلية هي إنتشارالبشر على وجه الأرض لزراعتها والإعتناء بها (تكوين 28:1). كان بناء المدن والتجمع في مكان واحد مخالفًا لخطته. لأن تمركز الناس في المدن يشجع على الخطيّة. عُرفت المدن بالجرائم والفجور. مقارنتا بالحياة في الطبيعة وخليقة الله.
أمر الله نوح أن يثمر ويتكاثر ويملأ الأرض (تكوين 9: 1). لسوء الحظ، انصرف نسل نوح الذي كان يتزايد بسرعة, عن عبادة الإله الحقيقي. وخوفًا من أن مرة أخرى تؤدي طرقهم الشريرة إلى كارثة، التمسوا للحماية المصنوعة بأيديهم. اعتقدوا أن برجًا أو قلعة ستساعدهم على الهروب من فيضان آخر. متناسيين أن الله قد وعد أنه لن يرسل طوفانًا آخر (تكوين 11:9).
ربما كان الدافع وراء هذا الخوف هو لأنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى. تكشف الحفريات الأثرية أن السكان الأوائل في بلاد ما بين النهرين أقاموا العديد من الأبراج مثل المعابد المخصصة لعبادة الآلهة والأصنام المختلفة. على الرغم من أنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى، إلا أنهم كانوا يعلمون أن إله السماء هو الأسمى وأرادوا حماية أنفسهم من نتائج أعمالهم الشريرة. بدلا من عبادته، تآمروا على التفوق عليه. كانوا يعلمون أن الطوفان قد غمر أعلى جبال العالم عند الطوفان، لكنه لم يصل “إلى السماء”. لذلك، فهموا أنه إذا تم بناء هيكل أعلى من الجبال، فسيكونون في مأمن من كل ما سيقوم به الله لعقابهم.
بالإضافة إلى كونه بمثابة حماية، كان من المقرر أن يكون برج بابل نصبًا تذكاريًا لتمجيد حكمة وموهبة بنائيه. أراد الناس أن يصنعوا “اسمًا” لأنفسهم (تكوين 11: 4) وترك بصمة سموِّهم ومهارتهم للأجيال المقبلة. لذلك يمكننا أن نرى أن الدافع الأول كان الكبرياء. تقول رسالة يوحنا الأولى 16:2، “ لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ.” لذلك دعونا نركز أعيننا على الله وليس على الإنجازات الدنيوية التي يمكن أن تشتتنا وتبعدنا عنه.